السبت، 20 أكتوبر 2012

الايجار القديم في دوله المطففين


بقلم د هشام عبد الصبور شاهين 

حفظنا ونحن صغار سورة المطففين:( وَيْلٌ لِّلْمُطَفِّفِينَ * الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُواْ عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ * وَإِذَا كَالُوهُمْ أَو وَّزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ * أَلَا يَظُنُّ أُولَئِكَ أَنَّهُم مَّبْعُوثُونَ * لِيَوْمٍ عَظِيمٍ * يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ) المطففين 1-6، وقيل لنا آنذاك فى تفسير هذه الآيات أن المطففين هم البائعون الذين يغشون فى الميزان حين يبيعون، وهم المشترون الذين يأخذون أكثر من حقهم حين يشترون، وبقيت صورة المطفف متمثلة فى أذهاننا على هيئة بائع الخضر أو الفاكهة يغش فى الميزان، ليبخس المشتري حقه فى كيلو طماطم أو نصف كيلو فلفل رومى!

ولكن .. أيستأهل المطفف مثل هذا الويل والوعيد من الله تبارك وتعالى بإعلان الحرب عليه؟ قد يستغرب المرء حين لا يتوافق – بفهمنا - العقاب الرادع مع الذنب (البسيط) الذي اقترفه المطفف!

إن التطفيف هو حالة صارخة من الظلم تمارس فى المجتمع على كل المستويات، يمارسها المطففون؛ من بائع الخضر والفاكهة حتى محتكرى الصناعات الثقيلة والخفيفة، وأصحاب التجارات الواسعة، مرورا بكل من يطفف فيما يجرى بين الناس من تعامل فى المال والخدمات والبضائع، وهذا يشمل بالطبع كل أماكن العمل والإنتاج والبنوك والمؤسسات المالية والتجارية الكبيرة والصغيرة، كل من يبخس الناس أشياءهم؛ يدخل فى زمرة المطففين، وكل من يستوفى حقه على حساب حقوق الآخرين هو مطفف، وكل من يحتكر تجارة أو صناعة ويملك بماله أن يُكره الناس على ما يريد منهم؛ هو مطفف.

الحاكم الذى يرعى الفساد، ولا يحاسب سارقى أموال الشعب هو مطفف، بل هو راعى المطففين الأكبر، والوزير الذي يتقاضى مرتبا شهريا مليوني جنيه بينما المجند فى نفس الإدارة لا يتعدى مرتبه المائة جنيه؛ هو مطفف، والمذيع الذي يتلقى الملايين فى الخفاء نظير عمله الذي لا يساوى هذا المبلغ؛ هو مطفف، والممثلون والمغنون والراقصون ولاعبو الكرة الذين يتلقون أجورهم بالملايين هم مطففون، والذي يحصل بالمحسوبية والرِشى وصلات المصالح بأهل الحكم على أراضى الدولة بأسعار متدنية ثم يبيعها بالآلاف والملايين هو مطفف، والذى يشترى مصنعا من الدولة بأبخس سعر ثم يبيع أصوله وأراضيه بالملايين هو مطفف، والذى ينفق الملايين على حملته الإنتخابية (ليعيّن) عضوا فى مجلس الشعب أو الشورى مسهلا بالحصانة أعماله ومضاعفا أمواله هو مطفف، والذى يتلقى رِشوة من مواطن؛ كبرت أو صغرت؛ هو مطفف، والبنك الذى يربح الملايين من إيداعات عملائه ثم يلقى إليهم بالفتات هو مطفف، وكل من احتكر صناعة أو منتجا وضاعف سعره على الناس هو مطفف، والقاضى الذى يصدر حكمه فى قضية لا يُحِق به الحق لصاحبه هو مطفف، والمستأجر لمسكن بقانون الإيجارات القديم باخسا المالك حقه فى ماله هو مطفف، والطبيب الذى لا يولى مريضه اهتمامه أو يبالغ فى تقدير أتعابه هو مطفف، وكل من يحصل من غيره على ما ليس من حقه هو مطفف.. إلخ

ومن أهم وجوه التطفيف في المجتمع المصري، ما عانى من آثاره ملاك المنازل، حين سُلط على رقابهم قانون الإيجار القديم، قانون العلاقة بين المالك والمطفف، فالمستأجر انتهز فرصة تأييد النظام الناصري له؛ وترك السادات ومبارك الوضع على حاله مخافة إغضاب المستأجرين؛ واهتبل تأبيد عقد الإيجار بينه وبين المالك، فاستوفى حقه، ثم سطا على حقوق المالك لسنوات عديدة، عددها من عمر تدخل عبد الناصر في تحديد القيمة الإيجارية وتخفيضها عدة مرات، حتى أصبح الإيجار المدفوع للمالك لا يشتري له كيلو طماطم، وفي بعض الأحيان أقل، وينسى المستأجر أو ورثته ممن استولوا على منزل المالك أنهم بتمسكهم بظلم المالك يدخلون في زمرة المطففين.

وهكذا.. سنجد المطففين موجودين فى كل مناحي حياتنا، لا يقتصر وجودهم على بائعي الخضر والفاكهة الذين يغشون فى الميزان كما اعتقدنا ونحن صغار، بل إن التطفيف أصبح عبر خمسين الأعوام الماضية ظاهرة مجتمعية خطيرة، نمت وترعرعت وكبرت مع الفسادالذى انتشر وأزهر وأثمر ثمار الحنظل، ويترتب على التطفيف آثارٌ اجتماعية جسيمة، وآلام نفسية عنيفة من القسر والإجبار، يتفشى بها الظلم بين الناس حين يصبحون أعداء بالقانون، وتشيع روح الكراهية بين أفراد المجتمع، ويسود الإحباط والانهزام، وتنهار القيم والأخلاق، وكلها سمات تميز دولة المطففين.. واسلمي مصر.
المصدر :الدستور الاصلي

هناك تعليق واحد:

  1. ونعم واكرم - كلام منطقى مقنع للكل من يقرأه - نتمنى من المستأجرين المطففين أن يعودا الى الله ويتقوه عسي ان يجعل لهم مخرجا فى الدنيا والآخرة
    تحياتى لك استاذنا أبن استاذنا

    ردحذف