السبت، 19 نوفمبر 2011

مصر تمليك أو إيجار جديد




زينب عبداللاه المصري اليوم الخميس، 17 نوفمبر 2011

لا يزال من يحكمون مصر يتعاملون معها وكأنها شقة، ولا يقدرون قيمتها ومكانتها كدولة عظيمة يمكنها أن تعود لتصبح من أعظم الدول.

ولعل الفارق الجوهرى بين النظام السابق والسلطة الحالية ممثلة فى الحكومة والمجلس العسكرى، أن النظام السابق كان يتعامل معها على أنها شقة تمليك من حقه أن يبيع ويشترى فيها كيفما شاء، أو أن يورثها لأسرته وأبنائه، أو أن يتنازل عن جزء منها لمن يريد، فى حين يتعامل معها المجلس العسكرى والحكومة الحالية ووزاراتها المختلفة على أنها شقة يستأجرونها ويقيمون فيها بنظام الإيجار الجديد، أى المؤقت الذى لا يحرص المستأجر فيه على صيانة الشقة ومرافقها، أو إصلاح ما يفسد فيها، خاصة إذا رأى أن مدة إقامته فيها لن تطول، وكلما أوشكت مدة الإيجار على الانتهاء كلما أهمل المستأجر الشقة وتركها "تضرب تقلب" على دماغ أصحابها، أو من يأتى من بعده ليشرب هذه الخسائر.




هكذا تتعامل الحكومة والمجلس العسكرى مع كثير من الملفات الساخنة والشائكة، إما بالمسكنات، أو بالإهمال التام الذى يؤدى إلى تفاقم المشكلات وانفجارها بين حين وآخر، حتى وصل الحال إلى ما نحن عليه من انفلات أمنى، وانتشار أعمال البلطجة وعودة قانون الغاب.

وفى حالات كثيرة يكون هذا الإهمال متعمداً مع سبق الإصرار والترصد، خاصة ما يتعلق بالعديد من ممارسات الجهاز الأمنى وقيادات وزارة الداخلية وضباطها الذين ما زال الكثيرون منهم يشعرون، مع تزايد حالات العنف والبلطجة والسرقات والانفلات الأمنى، بحالة من التشفى فى المواطنين بعد أن فقدوا سطوتهم وبطشهم، ويظهر ذلك فى حالات كثيرة يلجأ فيها المواطن للشرطة فتتخاذل عن نجدته، أو يسمع من ضباطها تعليقات من عينة "خللى الثورة تنفعكم".

ومنذ أيام حدثنى أحد المواطنين عن أنه شاهد بعض الشباب من منطقته، والمعروفين بأنهم يقومون بسرقة السيارات وهم يضعون إحدى السيارات المسروقة ذات الماركة الفخمة أمام منزل أحدهم بعد أن تعطلت، فى محاولة لإصلاحها قبل أن يسيروا بها إلى إحدى المناطق النائية لتفكيكها، فأسرع المواطن الإيجابى للاتصال بأحد قيادات وزارة الداخلية، الذى سبق وأن تعرف عليه فى أحد اللقاءات التى شدد فيها رجل الأمن على ضرورة أن يكون المواطن إيجابيا، ويساعد الشرطة فى الحفاظ على الأمن بالإبلاغ عن الجرائم، فأسرع المواطن المذكور للاتصال بهذه القيادة الأمنية، وأبلغه بمكان السيارة المسروقة وماركتها وأوصافها وأرقامها، متخيلا أن رجل الأمن سيصدر أوامره على الفور لضبط التشكيل العصابى، وإعادة السيارة المسروقة لصاحبها، ولكن خاب ظن المواطن، كما خاب ظننا فى أشياء كثيرة. حسرة هذا المواطن وإحباطه، وهو يتحدث عن حالة اللامبالاة التى تعامل بها أحد قيادات الداخلية مع بلاغه، إضافة إلى تصورى لحال صاحب السيارة، ويقينى بأن كلا منا معرض أن يكون مكانه، وأن الساكت عن الحق شيطان أخرس، ومن يكتم الشهادة فإنه أثم قلبه، كل ذلك دفعنى للاتصال بأحد الزملاء ممن يعرفون العديد من قيادات وزارة الداخلية بحكم عمله، وعلى الفور اتصل الزميل بما لا يقل عن ثلاثة من قيادات الوزارة الكبار، وللأسف لم تختلف النتيجة، ولم يتحرك أحد لإنقاذ السيارة وإلقاء القبض على اللصوص، بل على العكس فقد انتابت المواطن مخاوف كثيرة من أن يعرف اللصوص بمحاولته للإبلاغ عنهم.

وهكذا تعلم المواطن درسا عمليا لن ينساه فى ضرورة أن يكون سلبيا، وأن يغمض عينيه عن الخطأ، وهو الدرس الذى حفظه على يد قيادات الداخلية الذين يتشدقون بالحديث عن سلبية المواطنين.

أليس هذا هو نفس المنطق الذى يتعامل به مستأجر الشقة بنظام الإيجار الجديد "خليها تخرب وأنا مالى"، وهو نفس المنطق الذى يتم التعامل به مع كل أعمال العنف التى شهدتها عدة مناطق بين العائلات والقبائل فى الصعيد وفى بلطيم وغيرها، عمليات قتل وقطع طرق وحصار لبعض القرى، ومنع أهلها من الخروج حتى للعلاج، وتكتفى الحكومة وقيادات الأمن بالحلول العرفية والجلوس مع كبار العائلات، "وفى داهية هيبة الدولة، وأمن المواطن"، "واحنا مالنا خليها تخرب.. إحنا شوية وماشيين واللى جاى يشرب"!

أليس هذا هو منطق المستأجر المؤقت، الذى يترك كل مرافق الشقة بلا صيانة أو إصلاح حتى تتهالك، وهو ما نخشى أن يحدث فى الانتخابات القادمة التى تجرى فى ظل أحوال متردية، وأمن المفقود، وسلطة تعمل بهذا المنطق.

الفارق بين هذه السلطة وبين المستأجر بنظام الإيجار الجديد أن المستأجر يدفع تأميناً قبل أن يسكن حتى يتحمل حين يترك الشقة قيمة إصلاح ما أفسده أثناء فترة الإيجار، ولكن السلطة الحالية فى مصر للأسف لم تدفع تأميناً، ولن تتحمل قيمة وفاتورة ما فسد خلال فترة إيجارها للشقة.. عفوا حكمها لمصر!!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق